
كيف نحيي يوم عرفة إذا لم نُوفَّق للحج أو زيارة كربلاء؟!
في زحمة الأشواق المتجهة نحو جبل عرفات، والقلوب المرفرفة شوقًاً إلى كربلاء، قد يُصيب البعض شيءٌ من الحسرة لعدم التوفيق لبلوغ هذه المقامات المقدسة، سواء بسبب الزحام أو ضيق الحال أو ظروف خارجة عن الإرادة.
لكن السؤال الحقيقي الذي يجب أن يُطرَح هو: هل يُغلق باب الرحمة إذا لم نكن هناك؟ وهل يفوتنا الأجر والثواب إن لم نحج أو نزُر؟
من منظور أهل البيت (عليهم السلام)، الجواب: لا. فالرحمة الإلهية أوسع من أن تُحصر في مكان، والأعمال العظيمة لا يضيع أجرها عند الله وإن قُدِّمت من بعيد.
بل إنّ النية الصادقة، والعمل الخالص، والارتباط القلبي الصميم، قد يجعل من مسجدٍ صغير أو مرقدٍ في الكاظمية، عرفاتًا وكربلاء في آنٍ واحد.
فقد وردت في الروايات الشريفة أن دعاء يوم عرفة للإمام الحسين (عليه السلام)، من أعظم ما يُتلى في هذا اليوم، سواء كنا في مكة أو في الكاظمية أو حتى في بيوتنا.
فالدعاء، والمناجاة، والدمعة الصادقة، تُقيم مقام العروج الروحي إلى الله.
أعمال يوم عرفة (حسب روايات أهل البيت عليهم السلام):
من المستحب للمؤمن أن يُحيي يوم عرفة بهذه الأعمال، وقد ورد في كتب الأدعية كـ مفاتيح الجنان و الإقبال لابن طاووس، ما يلي:
1. الاغتسال قبل الزوال.
2. الصوم في يوم عرفة، ما لم يُضعفه عن الدعاء والعبادة، وهو من الأعمال العظيمة التي يُغفر بها الذنوب.
3. صلاة ركعتين قبل الزوال، تحت السماء، يدعو فيها بما أحب من الدعاء.
4. الوقوف للدعاء وقت الزوال، مستقبلاً القبلة، والتفرغ الكامل للابتهال.
5. قراءة دعاء الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم عرفة، وهو من أرقى نصوص العرفان الشيعي.
6. قراءة دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام) في الصحيفة السجادية، خصوصاً دعاؤه ليوم عرفة.
7. زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) من البُعد، فإن لها ثواباً عظيماً، وقد ورد أنها تعدل الحج المبرور.
8. الإكثار من التسبيح والتهليل والاستغفار، وخاصة:
• سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر
• أستغفر الله ربي وأتوب إليه
لسكنة محافظة بغداد إذا لم يُقدّر لك أن تكون في عرفة أو كربلاء، فلتتوجه إلى مرقد الإمامين الكاظمين (عليهما السلام)، حيث تتنزل الأنوار والرحمة، ويدعو فيه المؤمنون بأمان وطمأنينة.
الكاظمية، شأنها شأن كل مرقد طاهر، بابٌ من أبواب السماء، وهي اليوم ملاذ الأرواح التي لم توفّق للحج أو الزيارة.
وفي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:
“من دعا الله وهو على معرفة بنا أهل البيت، استُجيب له وإن كان في أقصى الأرض.”
فكيف إذا كنت في بقعة شريفة كالكاظمية؟
وفي الختام لا يحرم من الاجر من صدقت نيته، لا تكن في حزنٍ لأنك لم تصل إلى عرفات أو كربلاء، بل اجعل عرفات في قلبك، وكربلاء في دعائك، وأهل البيت في وجدانك.
فالله سبحانه لا ينظر إلى موقع الجسد، بل إلى موقع القلب.
يوم عرفة، يوم العتق من النار، ويوم يُستجاب فيه الدعاء، ويوم يُغفر فيه حتى لغير الحجاج.
فكن من أهله حيثما كنت، واغتنمه كأنه آخر يوم في حياتك، فربما تُكتب في ديوان المقبولين، ولو كنت في بيتك أو في المسجد أو عند أعتاب الإمامين الكاظمين (عليهما السلام).