تداعيات الدور السعودي في لبنان
حِينَ أَدْرَكَتِ الوِلايَاتُ المُتَّحِدَةُ الأَمْرِيكِيَّةُ أَنَّ تَكْلِفَةَ إِدَارَةِ تَعْقِيدَاتِ المِنْطَقَةِ تُرْهِقُ إِمْكَانِيَّاتِهَا فِي ظِلِّ انْهَمَاكِهَا بِمُوَاجَهَةِ الصِّينِ وَمُحَاوَلَةِ احْتِوَاءِ الرُّوسِ، وَاخْتِلالِ الدَّوْرِ الوَظِيفِيِّ لِلْكِيَانِ الصُّهْيُونِيِّ بَعْدَ طُوفَانِ الأَقْصَى، عَمَدَتْ إِلَى إِيكَالِ مَهَمَّةِ إِدَارَةِ المَلَفِّ اللُّبْنَانِيِّ وَالعِرَاقِيِّ إِلَى السُّعُودِيَّةِ فِي إِطَارِ جُمْلَةٍ مِنَ التَّفَاهُمَاتِ وَالتَّوَافُقَاتِ الأَمْنِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ الاسْتِرَاتِيجِيَّةِ، وَالَّتِي نُشِيرُ إِلَى بَعْضِهَا فِي السِّيَاقِ أَدْنَاهُ:
1- أَمْرِيكَا تَسْعَى لِتَعْزِيزِ الدَّوْرِ السُّعُودِيِّ فِي المِنْطَقَةِ وَتَعْمِيقِ تَأْثِيرَاتِهِا الجِيُو سِيَاسِيَّةِ وَالرُّوحِيَّةِ، تَمْهِيدَاتٍ لِمَرْحَلَةِ مَا بَعْدَ انْخِرَاطِهَا فِي الإِبْرَاهِيمِيَّةِ وَالتَّطْبِيعِ مَعَ إِسْرَائِيلَ بِشَكْلٍ كَامِلٍ، فَضْلًا عَنْ وُجُودِ المَصَالِحِ المُشْتَرَكَةِ بَيْنَ المَمْلَكَةِ وَالوِلايَاتِ المُتَّحِدَةِ وَخَشْيَتِهِمَا مِنْ ظُهُورِ تَحَوُّلَاتٍ كُبْرَى تَضْرِبُ هَذِهِ العَلَاقَةَ وَالمَكَانَةَ الدُّوَلِيَّةَ بِالصَّمِيمِ.
2- تَعْتَقِدُ الوِلايَاتُ المُتَّحِدَةُ الأَمْرِيكِيَّةُ أَنَّ الزَّجَّ بِالسُّعُودِيِّينَ فِي مَلَفَّاتِ المِنْطَقَةِ يُجَنِّبُهَا المُوَاجَهَةَ المُبَاشِرَةَ مَعَ إِيرَانَ وَحُلَفَائِهَا فِي المِنْطَقَةِ، وَيُوَفِّرُ لَهَا المَسَاحَةَ اللَّازِمَةَ لِلتَّحَرُّكِ فِي مُوَاجَهَةِ خُصُومِهَا وَأَعْدَائِهَا فِي العَالَمِ، وَفَرْضِ الرَّقَابَةِ المُشَدَّدَةِ عَلَى مَنْ يُحَاوِلُ الخُرُوجَ عَنِ المَسَارِ المرسوم لَهُ دُوَلِيًّا.
3- لِلسُّعُودِيَّةِ نُفُوذٌ كَبِيرٌ فِي السَّاحَةِ اللُّبْنَانِيَّةِ، وَهَدَفٌ مُشْتَرَكٌ مَعَ الوِلايَاتِ المُتَّحِدَةِ وَإِسْرَائِيلَ بِشَأْنِ تَدْمِيرِ حِبِ اللهِ، فَالسُّعُودِيَّةُ تَرَى الحِزْبَ تَهْدِيدًا لِأَمْنِهَا القَوْمِيِّ، وَشَرِيكًا أَسَاسِيًّا فِي دَعْمِ اليَمَنِ، فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ امْتِدَادًا لِلنُّفُوذِ الإِيرَانِيِّ فِي المِنْطَقَةِ.
4- السُّعُودِيَّةُ تَرَى فِي العَوْدَةِ إِلَى لُبْنَانَ نَافِذَةً تَلِجُ مِنْ خِلَالِهَا لِإِعَادَةِ تَمَوْضُعِهَا فِي مِيزَانِ القُوَى الَّذِي اخْتَلَّ لِصَالِحِ الأَتْرَاكِ بَعْدَ سُقُوطِ سُورِيَا، وَهِيَ رَغْبَةٌ أَمْرِيكِيَّةٌ وَإِسْرَائِيلِيَّةٌ مُزْدَوَجَةٌ تَسْعَى لِتَحْجِيمِ الدَّوْرِ التُّرْكِيِّ فِي المِنْطَقَةِ، وَإِيجَادِ قُوَّةٍ سُنِّيَّةٍ مُكَافِئَةٍ لَهُ، عَلَى وَقْعِ تَرَاجُعِ النُّفُوذِ الإِيرَانِيِّ ـ بِحَسَبِهِمْ ـ.
5- السُّعُودِيَّةُ تَجِدُ فِي مَوْضُوعَةِ نَزْعِ سِلَاحِ حبِ اللهِ نُقْطَةَ شُرُوعٍ لِتَفْكِيكِ وَحْدَةِ السَّاحَاتِ، وَخُطُوَةً لِلْبِنَاءِ عَلَيْهَا فِي مُحَاصَرَةِ أَنْصَارِ اللهِ فِي اليَمَنِ وَالحَشْدِ الشَّعْبِيِّ فِي العِرَاقِ.
6- كَمَا أَنَّ وَاشِنْطُنْ تَرَى فِي السُّعُودِيَّةِ لَاعِبًا إِقْلِيمِيًّا يَصْعُبُ الاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ فِي مُوَاجَهَةِ النُّفُوذِ التُّرْكِيِّ وَالإِيرَانِيِّ، وَأَنَّ المَمْلَكَةَ هِيَ الدَّوْلَةُ الأَكْثَرُ قُدْرَةً عَلَى مُجَارَاةِ النُّفُوذِ الإِيرَانِيِّ فِي السَّاحَةِ العِرَاقِيَّةِ المُرَشَّحَةِ لِلتَّصْعِيدِ عَلَى الدَّوَامِ.
7- تَوْلِي السُّعُودِيَّةِ مَهَمَّةَ مُشَاغَلَةِ إِيرَانَ فِي المَلَفَّاتِ الإِقْلِيمِيَّةِ يُتِيحُ لِأَمْرِيكَا وَإِسْرَائِيلَ فُرْصَةً مُرِيحَةً أَكْثَرَ لِشَنِّ عُدْوَانِهِمَا عَلَيْهَا.
8- يُمْكِنُ فَهْمُ هَذِهِ الخُطُوَةِ فِي سِيَاقِ الرَّدِّ عَلَى التَّقَارُبِ المِصْرِيِّ الإِيرَانِيِّ، وَمُحَاوَلَةِ عَزْلِ مِصْرَ وَتَقْوِيضِ دَوْرِهَا الإِقْلِيمِيِّ.
9- فِي المُجْمَلِ نَفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الخُطُوَةِ أَنَّهَا حَلْقَةٌ فِي مُسَلْسَلِ تَغْيِيرِ هُوِيَّةِ المِنْطَقَةِ، وَتَعْبِيدِ الطَّرِيقِ أَمَامَ مَشْرُوعِ “إِسْرَائِيلَ الكُبْرَى” الَّذِي بَدَأَ نَتَنْيَاهُو الحَدِيثَ عَنْهُ بِكُلِّ وِقَاحَةٍ.
10- رَغْمَ عِظَمِ التَّحَدِّي لِإِيرَانَ وَقُوَى المُقَاوَمَةِ بِشَكْلٍ عَامٍّ، إِلَّا أَنَّ هَذَا التَّوَجُّهَ الجَدِيدَ لِلْوِلايَاتِ المُتَّحِدَةِ وَحُلَفَائِهَا فِي المِنْطَقَةِ يُتِيحُ لِهَذِهِ القُوَى فُرْصَةً اسْتِثْنَائِيَّةً لِإِعَادَةِ هَنْدَسَةِ تَمَوْضُعِهَا مِنْ جَدِيدٍ، بِنَحْوٍ تَتَخَطَّى فِيهِ إِخْفَاقَاتِهَا السَّابِقَةَ