هل قرارات الهيئة القضائية للانتخابات باتة؟
كتب / سالم روضان الموسوي
هذا السؤال قد يثير الاستغراب، فكيف لا تكون باتة والمادة (19/ثالثاً) من قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخاباترقم 31 لسنة 2019 تقول ان قراراتها باتة وعلى وفق النص الاتي ( تعد قرارات الهيئة القضائية للانتخابات بات )،وهذه الهيئة القضائية الموقرة تشكل بموجب بيان يصدر عن مجلس القضاء الأعلى وعلى وفق احكام المادة (19/اولاً) من المفوضية أعلاه وجاء فيها الاتي (يشكل مجلس القضاء الأعلى هيئة قضائية للانتخابات تتألف من ثلاثة قضاة غير متفرغين لا يقل صنف أي منهم عن الصنف الأول للنظر في الطعون المحالة إليها من مجلس المفوضين أو المقدمة من المتضرر من قرارات المجلس مباشرة إلى الهيئة القضائية)، وبموجب النصوص أعلاه فان القرار الذي يصدر عن هذه الهيئة القضائية يحوز على درجة البتات وعلى وجه الخصوص في القرارات التي تصادق على قرارات المفوضية او التي تنقضها وصدرت عشرات القرارات التي تتعلق بالانتخابات،
لكن لوحظ ان القرارات التي تصدر وعلى الرغم من كونها باتة، الا ان الهيئة القضائية تعود وتقضي على خلاف ما ورد فيها، ومثال ذلك عندما يتم الطعن بصحة ترشيح مرشح لعضوية مجلس النواب ويرد الطلب من المفوضية او تستجيب له فان القرار يطعن به امام الهيئة القضائية للانتخابات وتصدر قراراها بالموضوع محل الطعن ومن ثم يصبح قرارها بات ونهائي وعلى وفق حكم المادة (19/ثالثاً) من قانون المفوضية، وحيث ان مفهوم الحكم البات هو الذي لا يجوز نقض حجيته الا اذا تم الطعن به بإحدى طرق الطعن التي نص عليها القانون، وعلى وفق احكام المادة (105 و106) من قانون الاثبات رقم 107 لسنة 1979 المعدل، وقرار الهيئة القضائي هو قرار قضائي ويحوز درجة البتات، وليس قرار اداري لإنها تفصل في طعن بالقرار الصادر عن الجهة الإدارية وهي مفوضية الانتخابات، والمشرع رأى ان يتولى القضاء الاعتيادي النظر في الطعون بقرارات المفوضية لموثوقيته وتوفر عنصر الاطمئنان بقراراته، على الرغم من ان اغلب دول العالم تمنح حق الطعن اما الى القضاء الدستوري مثل ما عليه الحال في لبنان او الى المحاكم الإدارية (القضاء الإداري) مثلما عليه الحال في مصر، لكن يبقى الامر خياراً متاحاً للمشرع،
لذلك فان القرارات التي صدرت عن الهيئة القضائية للانتخابات وأصبحت تلك القرارات باتة وبموجبها دخل المرشح الى التنافس على نيل المقعد النيابي، وان جمهور الناخبين ومن خلال ثقتهم بقرار الهيئة القضائية التي صادقت على ترشحه عندما تم الطعن في حقه بالترشح، وتأسيساً على هذه المصادقة وجه الناخبون أصواتهم لصالح هذا المرشح، عملاً لحقهم الدستوري في الانتخاب والتصويت المقرر بموجب المادة (20) من الدستور، والزم الدستور والقانون الدولة بتوفير المناخ الملائم لتميكن الناخب من ممارسة حقه في الانتخاب، بل الزمها بحماية هذا الحق من أي خرق كان وعلى وفق ما ورد في المادة (3) من قانون الانتخابات، ومن وسائل حماية حق الناخب هو الاطمئنان المتوفر لديه من خلال تدقيق أسماء المرشحين، ومدى توفرهم على الشروط المطلوبة، فان الناخب عندما يشارك فهو مطمئن الى انه سيختار من توفرت به الشروط، وهذا هو أساس الاختيار لأنه لو يعلم بعدم توفر تلك الشروط في المرشح فان لا ينتخبه ويذهب لاختيار مرشحاخر مستوفٍ للشروط،
وحيث ان القانون حصر مهمة التدقيق بالمفوضية المستقلة للانتخابات حصراً ، وليس للناخب، فان مسؤولية الخطأ تقع على المفوضية ان ظهر لاحقاً، بان هذا المرشح لا يتوفر على الشروطـ، وبما ان لكل مخالفة جزاء، فان لكل حق ما يقابله من انتفاع، بمعنى ان حق الناخب في اختيار المرشح والمقرر دستورياً يقابله الانتفاع بهذا الحق بان يكون صوته فاعل ويحسب عند جمع الأصوات للمرشحين، ولا يجوز حجب صوته، الا اذا كان الناخب هو من ارتكب المخالفة، لذلك فان الدستور والقانون يمنع اهدار صوت الناخب لان في ذلك حرمانه من ممارسة حق الدستوري،
ومن ثم فان قرارات الهيئة القضائية تبدو وكانها أصبحت غير باتة وقابلة للنقض بقرار جديد وليس بطريق الطعن فيه، وهذا فرض قابل للنقاش من المختصين في فقه القانون والقواعد القانونية الإجرائية، لان ما درجنا عليه في الاحكام القضائية بان الحكم القضائي سواء كان في القضاء الاعتيادي أو الدستوري أو الإداري، لابد وان يكون فاصل في موضوع النزاع المعروض عليه، ومتى ما أصبح هذا الحكم بات ونهائي لا يقبل ما يدحضه إطلاقاً لأنه يصبح حجة على الناس كافة، ويحتج به من ينتفع منه على من ينازعه من الخصوم، ومعنى أصبح بات بانه استنفذ كافة طرق الطعن،
ومع ذلك فان مفهوم او مصطلح حجية الحكم القضائي او ما يسمى بحجية الشيء المحكوم به تعددت مذاهب فقهاء وشراح القانون في تكييفه، منهم من قال ان حجية الشيء المحكوم به تعد قاعدة قانونية موضوعية، لان المشرع عندما يقرر حجية للحكم القضائي فهو مثلما يقرر قاعدة موضوعية فانه يقرر الحقيقة التي أثبتها الحكم القضائي وتعتبر هي الحقيقة الواقعية وهذا يقود إلى اعتبار حجية الحكم القضائي بمثابة قاعدة قانونية لان حجية هذا الحكم لا تدحض، بينما يرى جانب آخر من الفقه إن حجية الحكم القضائي هي قرينة قانونية قاطعة لا تهدم ولا يثبت عكسها لأنها تقوم على اعتبارات تتصل بالمصلحة العامة فيبقى الحكم قرينة قاطعة على ما قضيَّ به ولو اقر المحكوم له بان الحكم خاطئ.