لعبة الاوزان والأسعار في قوت الناس من الخبز والصمون
كتب / د. باسل عباس خضير …
الخبز والصمون من المكونات المهمة في موائد العراقيين ، والعراقيون يختلفون عن العديد من الشعوب في اعتماد هذين المكونين في اغلب وجبات الطعام ، وتلك الحقيقة يدركها الجميع وبسببها تم إدخال الدقيق ( الطحين ) ضمن مفردات البطاقة التموينية التي طبقت منذ 35 عام والنافدة لحد اليوم ، والقياس المستخدم بهذا الشأن تخصيص ( 9 ) كيلو غرام من الطحين لكل فرد شهريا محسوبا بأساس استهلاك 300 غرام يوميا بما يعادل 3 أرغفة من الخبز او الصمون بزنة 100 غرام للواحدة ، وعلى افتراض قيام العوائل يشوي الخبز في المنازل بالتنور او الأفران وغيرهما فان الاكتفاء الذاتي للعائلة يتحقق بدون تكاليف مرهقة للجميع ، ولكن واقع ليس كذلك فالكثير من العوائل تعزف عن توفير بصناعة ما تحتاجه لعدة مسوغات ، وبالأخص الحضر الذين يشكلون أكثر من 70 % من السكان ( حسب إحصاء 2024 ) ، لذا يتم الاعتماد على تدبير الاحتياجات من الخبز والصمون بالشراء من المخابز مباشرا او من الأسواق ، ولان الطحين الموزع بالحصة التموينية للمشمولين سيتحول لفائض لذا يتم استبداله بالخبز او بيعه للراغبين بالشراء .
ومع إن ذلك خيارا اتخذته العائلة دون ضغط او توجيه ، إلا إن الكثير من العوائل يشكون التلاعب بقوتهم اليومي من الخبز والصمون سواء ما يتعلق بالأوزان او الأسعار ، فالجهات الرقابية في وزارة التجارة تستهدف أن يكون الوزن 90 - 100 غرام وذلك تطبقه على منتجاتها التي لا تسد الحاجة إلا لنسبة قليلة من المستهلكين ، وفي ظل غياب مقياس محدد في الأسواق لمنتجات الخبز والصمون فان الواقع الميداني لأوزانها بحدود 70 – 80 غرام ، و بمقياس 1000 دينار ( الصمون يباع 6- 10 ، الخبز الأبيض يباع 4-5 ، خبز الشعير يباع 3-4 ) وتتفاوت بذلك المخابز والأفران حسب المناطق ، وما يؤشر بهذا الخصوص عدم وجود مقياس ثابت ومعلن ومحدد للأوزان والأسعار ، إذ يتم التلاعب بهما استنادا لعوامل عديدة منها تغير أسعار الدقيق ( الطحين ) في الأسواق ومدى جودة الطحين الموزع ضمن الحصة التموينية ، وفي أحيان كثيرة مستويات أسعار السلع الأخرى التي ترتبط بأسعار صرف الدولار ، وفي بعض الحالات يتأثر ذلك بأزمات توفير الوقود من الغاز السائل والنفط الأبيض والكهرباء لاعتمادها في صناعتي الخبز والصمون .
ولان الوضع الحالي يسود باعتماد نسبة مهمة من السكان على الخبز والصمون من الأسواق ، فان العديد من التساؤلات تطرح بشان أسباب الغياب الملحوظ لدور الأجهزة المعنية عن الرقابة والتوجيه بشان التجاوزات ، وما هي أسباب عدم قيام وزارة التجارة باعتماد أوزان وأسعار معروفة ومعلنة وملزمة للجميع ، فاغلب دول المنطقة تعتمد معايير بهذا الخصوص فهي موجودة في الأردن وسوريا ولبنان ، وفي مصر يكون وزن الرغيف العربي 62.5 للصغير و125 غرام للكبير وسعرهما ثابت من قبل وزارة التجارة او التموين ، وعدم وجود المعايير والأسعار يترك المجال لأصحاب تلك الصناعة بالتلاعب ، فمرة يتلاعبون بالعدد فعدد الصمون يجعلوه 8 وقد يصل إلى 6 ، وإذا التزموا بالعدد فقد يتلاعبون بالأوزان ، فيصغر الحجم بشكل واضح ، وينطبق الأمر ذاته على الرغيف حين يتم التلاعب بالسمك ( الثخن ) حيث تبدوا وكأنها ورقة من الصحيفة ( الجريدة ) ، وكل ذلك يخاف قوله تعالى في القران الكريم ( وَيَٰقَوۡمِ أَوۡفُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا تَبۡخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشۡيَآءَهُمۡ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ (هود :85) .
وحينا تسال أصحاب المخابز والأفران عن أسباب التلاعب والتغيير ، فهم يجيبون بأنهم عرضة للتأثر بحركة الأسواق فلا دعم لهم بأي شكل من الإشكال ، فالطحين يشترونه من التجار والوقود من السوق السوداء ( بعد تحديد حصص المواطنين ) وأجور العمال مرتفعة لان اغلبهم قادمون من خارج المحافظات التي يعملون بها ، وكل ذلك يدعوا للتساؤل أين خطط وزارة التجارة التي أطلقت من شهور وعودا بإعطاء الخيار للمواطن في استلام الطحين او الخبز والصمون المنتج من أفرانها المنتشرة في عموم البلاد ، وإذا عجزت عن ذلك فلماذا لا تنظم شؤون المخابز وتوفر لهم الطحين والوقود وفرض الرقابة المطلوبة على الأوزان والأسعار ، ولان ( خلك ) التجارة طويل في هذا المجال ، فان المواطن يلتمس من الجهات الرقابية في الدولة متابعة هذا الموضوع كونه يرتبط بمعيشة الناس ، ويخصون بالذكر أجهزة الأمن ( الاقتصادي ، الوطني ، المجتمعي ) ، فتلك الجهات تملك تأثيرا وقدرات على التغيير وحققت نجاحات في العديد من المهمات .