edition
Almaalouma
  • أخبار
  • مقالات
  • إنفوجرافيك
  • فيديو
  • كاريكاتير
  • تقارير
  • ترجمة
  1. الرئيسية
  2. مقالات
  3. العراق خارج معادلة السيادة المالية : تحوّلات العجز المالي من اختلال رقمي إلى أزمة دولة
العراق خارج معادلة السيادة المالية : تحوّلات العجز المالي من اختلال رقمي إلى أزمة دولة
مقالات

العراق خارج معادلة السيادة المالية : تحوّلات العجز المالي من اختلال رقمي إلى أزمة دولة

  • اليوم 14:54

كتب / رافد حميد فرج القاضي

لم يعد العجز المالي في العراق حدثًا استثنائيًا يُبرَّر بانخفاض أسعار النفط أو بظرف دولي طارئ، بل غدا سمةً ثابتة من سمات الدولة، وعنوانًا لفشلٍ مركّب يتجاوز الحسابات المالية ليضرب في عمق النموذج السياسي والاقتصادي الذي حَكم البلاد لسنوات ففي بلدٍ يُفترض أن تكون موارده كافية لبناء اقتصاد مستقر، يتحوّل العجز إلى ظاهرة دائمة ويصبح السؤال الحقيقي : كيف يمكن لدولة غنية أن تعيش على حافة الإفلاس ؟

العجز المالي في العراق لم يعد مجرّد فجوة بين الإيرادات والنفقات بل بات انعكاسًا صريحًا لغياب الميزانية السيادية أي تلك التي تُدار وفق منطق الدولة لا منطق التسويات وتُبنى على التخطيط لا على ردّات الفعل وتخدم التنمية لا إعادة إنتاج السلطة.

العجز بوصفه نتيجة سياسية لا خطأ محاسبيًا والخطأ الجوهري في مقاربة العجز المالي في العراق يكمن في التعامل معه كإشكال تقني يمكن معالجته عبر تعديل سعر صرف، أو رفع تقديرات تصدير النفط أو اللجوء إلى الاقتراض والحقيقة أن العجز هو نتيجة سياسية قبل أن يكون مالية، نتج عن نظام حكم جعل من الموازنة أداة توزيع للغنائم، لا وثيقة سيادية لإدارة الاقتصاد
فالموازنات العراقية، في جوهرها، لا تُصاغ انطلاقًا من رؤية اقتصادية وطنية بل تُفصَّل وفق موازين القوى السياسية وحسابات الكتل، وضغوط الشارع، ومخاوف الانفجار الاجتماعي وهكذا، تتحوّل الموازنة من أداة إصلاح إلى وسيلة تهدئة مؤقتة، ومن مشروع بناء إلى صكّ تأجيل للأزمة.

اقتصاد الريع حين تتحوّل الثروة إلى لعنة
يشكّل النفط أكثر من تسعين بالمئة من إيرادات الدولة العراقية، ما جعل الاقتصاد رهينة سلعة واحدة، وسوق واحدة، ومزاج دولي متقلّب وهذا الاعتماد المفرط لم يُستثمر لبناء قطاعات إنتاجية بديلة، بل جرى تكريسه كوسيلة سهلة لتمويل الإنفاق دون أي محاولة جادة للتحوّل نحو اقتصاد متنوّع.

اقتصاد الريع في العراق لم يُنتج دولة قوية بل دولة هشّة تعتمد على توزيع الريع بدل خلق القيمة، وعلى الإنفاق بدل الاستثمار وعلى الاستيراد بدل الإنتاج ومع كل هبوط في أسعار النفط، ينكشف العجز كأنه حقيقة مخفية، وتظهر الدولة عارية من أدواتها الاقتصادية.

الموازنة… دولة الرواتب لا دولة التنمية وهي أحد أخطر تجليات العجز المالي في العراق يتمثّل في هيمنة الإنفاق التشغيلي على الموازنة العامة فمعظم الإنفاق يذهب إلى الرواتب، والأجور، والتقاعد، والدعم، في حين تُهمَّش المشاريع الاستثمارية أو تُختزل إلى أرقام شكلية.

هذا النمط من الإنفاق لا يعكس فقط خللًا ماليًا، بل أزمة فلسفة حكم، حيث تحوّلت الوظيفة العامة إلى أداة سياسية لامتصاص البطالة، ووسيلة لكسب الولاءات، بدل أن تكون رافعة إنتاجية وهكذا، تتضخّم الدولة إداريًا وتتقلّص اقتصاديًا، ويتحوّل المواطن من منتج إلى مستهلك يعتمد كليًا على الدولة.

الفساد العجز غير المرئي في الحسابات
فلو كان العجز المالي في العراق نتيجة نقص الموارد، لكان قابلًا للفهم، لكن المعضلة الحقيقية تكمن في حجم الهدر والفساد الذي يلتهم الإيرادات قبل أن تصل إلى أهدافها فمليارات الدولارات تُهدر سنويًا عبر مشاريع متلكئة، وعقود مشبوهة، وتضخيم في الكلف، وضعف الرقابة، وتواطؤ إداري.

هذا الفساد لا يظهر دائمًا في أرقام العجز لكنه يشكّل عجزًا مضاعفًا، لأنه يحرم الدولة من مواردها، ويقوّض ثقة المواطن، ويُفشل أي محاولة إصلاح حقيقية فكل دينار يُهدر هو دينار مفقود من التنمية، وكل مشروع فاشل هو عجز مؤجل في موازنة قادمة.

النظام الضريبي… دولة بلا جباية عادلة
في الدول المستقرة، تشكّل الضرائب ركيزة أساسية للمالية العامة، وتعكس شراكة بين المواطن والدولة أما في العراق فالضرائب لا تزال هامشية، ضعيفة، وغير عادلة، نتيجة ضيق القاعدة الضريبية، وانتشار الاقتصاد غير المنظم وغياب الثقة.

هذا الضعف يجعل الدولة معتمدة كليًا على النفط، ويحوّل أي أزمة نفطية إلى أزمة مالية شاملة كما يكرّس ثقافة الريع، حيث يُنظر إلى الدولة كمصدر إعالة لا كإطار قانوني ينظم النشاط الاقتصادي.

الاقتراض تأجيل الانهيار لا معالجته حين يشتد العجز، تلجأ الدولة إلى الاقتراض الداخلي والخارجي، بوصفه حلًا سريعًا. لكن المشكلة لا تكمن في القروض بحد ذاتها، بل في كيفية استخدامها ففي العراق، تُوظَّف القروض غالبًا لتغطية نفقات تشغيلية، لا لبناء مشاريع إنتاجية قادرة على توليد إيرادات مستقبلية.

وهكذا، يتحوّل الدين إلى عبء متراكم وتنتقل الأزمة من حكومة إلى أخرى، ومن جيل إلى آخر، دون معالجة جذرية لأسباب العجز.

العجز وانهيار الثقة العامة من أخطر ما يخلّفه العجز المالي ليس الأثر الاقتصادي المباشر، بل تداعياته الاجتماعية والسياسية فحين تعجز الدولة عن تقديم الخدمات، أو تأمين فرص العمل، أو تنفيذ المشاريع، تتآكل ثقة المواطن وتتراجع شرعية النظام، ويصبح الاستقرار مهددًا.

العجز هنا لا يعني نقص المال فقط، بل غياب الأمل، وتآكل الطبقة الوسطى، واتساع الفجوة بين الدولة والمجتمع نحو ميزانية سيادية لا موازنة تسويات إن الخروج من دائرة العجز المالي في العراق لا يتحقق برفع أسعار النفط في الجداول، ولا بزيادة الاقتراض، بل بإعادة بناء مفهوم الموازنة ذاته. موازنة سيادية تعني :
_اقتصادًا متنوّعًا لا ريعيًا
_إنفاقًا منتجًا لا استهلاكيًا
_دولة تنظّم السوق لا تعيش عليه
_سياسة تخضع للاقتصاد لا تدمّره
وقبل كل ذلك، تعني إرادة سياسية تفصل بين المال العام والمصالح الخاصة.

_خاتمة إصلاحية تنفيذية : من إدارة العجز إلى إعادة تأسيس الدولة المالية اذ إن الخروج من مأزق العجز المالي في العراق لا يمكن أن يتحقق عبر مسكنات ظرفية أو حلول ترقيعية اعتادت عليها الحكومات المتعاقبة، بل يتطلب انتقالًا جذريًا من منطق “إدارة الأزمة” إلى منطق “إعادة بناء الدولة المالية” فالإصلاح الحقيقي لا يبدأ من الموازنة، بل من الفلسفة التي تُبنى عليها، ومن السؤال الجوهري : هل نريد دولة ريعية تُدير الوفرة، أم دولة سيادية تُنتج الاستقرار ؟

أولا : أول خطوات الإصلاح تكمن في إعادة تعريف وظيفة الموازنة العامة، بحيث لا تكون وثيقة إنفاق سنوية خاضعة للتجاذبات السياسية، بل خطة اقتصادية وطنية متعددة السنوات، مرتبطة بأهداف واضحة، ومؤشرات قياس أداء وجدول زمني قابل للمحاسبة فالموازنة يجب أن تتحول من “ساحة تسويات” إلى “أداة حكم رشيد”.

ثانيًا : لا بد من إصلاح جذري للإنفاق العام عبر إعادة هيكلة شاملة للإنفاق التشغيلي، لا تقوم على التقليص العشوائي، بل على :
_مراجعة حقيقية لحجم الجهاز الوظيفي
_ربط الأجور بالإنتاج والكفاءة
_إيقاف التوظيف السياسي غير المنتج
_دمج المؤسسات المتشابهة وتقليص الترهل الإداري

إن دولة الرواتب لا يمكن أن تتحول إلى دولة منتجة ما لم يُعاد بناء مفهوم الوظيفة العامة بوصفها خدمة ومسؤولية لا امتيازًا أو ضمانًا اجتماعيًا دائمًا.

ثالثًا : يشكّل تنويع مصادر الدخل حجر الزاوية في أي إصلاح مالي حقيقي. فلا سيادة مالية دون تقليل الاعتماد على النفط ولا استقرار دون اقتصاد متنوع وهذا يتطلب :
_إحياء القطاعات الزراعية والصناعية المهملة
_حماية المنتج المحلي بسياسات ذكية لا شعاراتية
_تحفيز الاستثمار الحقيقي لا الطفيلي
_تهيئة بيئة قانونية وأمنية جاذبة لرأس المال المنتج
_التنويع ليس خيارًا اقتصاديًا فحسب، بل ضرورة سيادية تحمي القرار الوطني من تقلبات السوق العالمية.

رابعًا : لا إصلاح مالي دون إعادة بناء النظام الضريبي على أسس العدالة والكفاءة، بما يشمل :
_توسيع القاعدة الضريبية
_مكافحة التهرب الضريبي بآليات تقنية وقانونية
_دمج الاقتصاد غير المنظم في الدورة الرسمية
_بناء علاقة ثقة بين المواطن والدولة تقوم على “الضريبة مقابل الخدمة”

خامسًا : يمثل الفساد التحدي الأكبر أمام أي إصلاح مالي ولا يمكن معالجة العجز دون مواجهته بقرارات شجاعة لا انتقائية فمكافحة الفساد يجب أن تنتقل من الخطاب إلى الفعل عبر :
_تفعيل الرقابة المالية والقضائية المستقلة
_ربط الصرف العام بأنظمة إلكترونية شفافة
_إنهاء الإفلات من العقاب
_حماية المال العام بوصفه خطًا أحمر لا ورقة تفاوض

سادسًا : ينبغي إعادة توجيه الاقتراض ليكون أداة تنموية لا وسيلة لتأجيل الانهيار فالديون يجب أن تُربط حصريًا بمشاريع إنتاجية مدروسة قادرة على توليد إيرادات لا بتمويل رواتب أو نفقات استهلاكية.

سابعًا : لا بد من بناء مؤسسات تخطيط اقتصادي حقيقية مستقلة نسبيًا عن التقلبات السياسية، تمتلك رؤية طويلة الأمد، وتعمل وفق بيانات دقيقة، لا وفق تقديرات ارتجالية. فالدولة التي لا تخطط تحكمها الصدفة، وتعيش على الأزمات.

وأخيرًا، فإن جوهر الإصلاح المالي في العراق ليس تقنيًا بحتًا، بل سياسي بالدرجة الأولى فالعجز لن ينتهي ما دامت :
الموازنة أداة محاصصة والوظيفة وسيلة ولاء والاقتصاد تابعًا للسياسة لا العكس
الإصلاح يتطلب شجاعة القرار، وقدرة على تحمّل كلفة التغيير، وإرادة تفهم أن الاستقرار الحقيقي لا يُشترى بالإنفاق، بل يُبنى بالإنتاج والعدالة والكفاءة.

خلاصة القول ان العراق لا يعاني من عجز مالي بقدر ما يعاني من عجز في الرؤية وعجز في الإدارة، وعجز في الشجاعة السياسية. والطريق إلى الخلاص لا يمر عبر موازنة أكبر، بل عبر دولة أصغر ترهّلًا، أكبر إنتاجًا، وأوضح مسؤولية إما أن يتحول العجز إلى نقطة انطلاق لإصلاح تاريخي
أو سيبقى عنوانًا دائمًا لدولة غنية بثروتها
مفلسة بإدارتها.

الأكثر متابعة

الكل
إحالة مدير عام تربية الرصافة الأولى "فلاح القيسي"  إلى التقاعد

إحالة مدير عام تربية الرصافة الأولى "فلاح القيسي" ...

  • محلي
  • 28 كانون الأول
الأنواء الجوية: أمطار رعدية واستقرار في درجات الحرارة

الأنواء الجوية: أمطار رعدية واستقرار في درجات الحرارة

  • محلي
  • 23 كانون الأول
بسبب الصيد الجائر.. الأهوار العراقية تتحول إلى فخ للطيور المهاجرة

بسبب الصيد الجائر.. الأهوار العراقية تتحول إلى فخ...

  • محلي
  • 27 كانون الأول
توزيع الأمطار على المحافظات خلال الـ12 ساعة الماضية

توزيع الأمطار على المحافظات خلال الـ12 ساعة الماضية

  • محلي
  • 24 كانون الأول

اقرأ أيضا

الكل
العراق خارج معادلة السيادة المالية : تحوّلات العجز المالي من اختلال رقمي إلى أزمة دولة
مقالات

العراق خارج معادلة السيادة المالية : تحوّلات العجز المالي من...

قراءة في الأزمة المالية في العراق
مقالات

قراءة في الأزمة المالية في العراق

سياسات جباية في زمن الأزمة: المواطن يدفع ثمن غياب الرؤية الاقتصادية..!
مقالات

سياسات جباية في زمن الأزمة: المواطن يدفع ثمن غياب الرؤية...

مصيبة تأخر الرواتب على محدودي الدخل
مقالات

مصيبة تأخر الرواتب على محدودي الدخل

Almaalouma

المعلومة: وكالة اخبارية عامة مستقلة، تتميز بالجرأة والموضوعية والمهنية والتوازن،شعارها، خبر ﻻ يحتاج توثيقا، لدقة وتنوع مصادرها الخاصة وانتشار شبكة مراسليها

الأقسام

  • ترندات
  • أخبار
  • مقالات وكتاب
  • فيديو
  • كاريكاتير

روابط مهمة

  • سياسة الخصوصية
  • من نحن
  • اتصل بنا

تابعونا