
الوطن بازار انتخابي ..كيف تُباع الدولة مقابل المقعد النيابي؟
المعلومة / بغداد..
في ظل المواسم الانتخابية، يتبدد مفهوم الدولة ككيان يخدم مواطنيه على قدم المساواة، ويتحوّل إلى كيان مشروط، يُدار بمنطق السوق لا بمنطق القانون والحقوق. يصبح الوطن في هذه المرحلة سوقًا مركزية للبيع والشراء السياسي، حيث تُعرض موارد الدولة كسلع، وتُمنح الخدمات العامة كـ"مكرمات"، ويُبتز الناخبون بمطالبهم الأساسية مقابل الولاء السياسي.
*تشويه مفهوم الدولة والخدمة العامة
الدولة التي يُفترض أن تكون الضامن الأول لحقوق الأفراد، تتحول خلال الحملات الانتخابية إلى وسيط في سوق المصالح، تُسخَّر فيها الوزارات، والبلديات، والمال العام لخدمة أجندات فردية. فالكهرباء، والماء، وتعبيد الشوارع، وفرص التوظيف، كلها تُمنح بصورة “انتقائية” لمن يقدّم الولاء لا لمن يستحق.
*من الحقوق إلى الأفضال: الهندسة الناعمة للابتزاز السياسي
في هذه السوق، لا يحصل المواطن على حقه لأنه مواطن، بل يُمنح ذلك الحق كـ”مكرمة” انتخابية. ما كان يجب أن يُنجز بشكل مؤسسي، يُقدَّم فجأة عند اقتراب الانتخابات، وكأنه هبة من مرشح أو جهة نافذة. والنتيجة؟ يصبح المواطن مدينًا للمرشح لا للدولة، ويُعاد تشكيل العلاقة بين المواطن والدولة على أساس الزبونية السياسية.
*الفساد الانتخابي..صورة حديثة للنهب المؤسسي
هذا النوع من “الفساد الانتخابي” هو الأخطر، لأنه مقنع ومُشرعن اجتماعيًا. لا يجري عبر سرقة أموال الدولة فقط، بل من خلال سرقة رمزيتها وقيمتها كفكرة ومؤسسة. إنه نهب سياسي يتغلغل في الإدارات ويستعمل أدوات الدولة نفسها لخدمة حملات انتخابية، ما يشوه مبدأ تكافؤ الفرص، ويضرب نزاهة العملية الانتخابية.
*الوطن المرهون بولاءات مشروطة
في هذا السوق، لا تُقاس القيمة السياسية للمرشح ببرنامجه، بل بعدد “المنح” التي يستطيع توزيعها، وبقدرته على تسخير أدوات الدولة لأغراضه. وهكذا، يتحول الناخب من مواطن حر إلى مستهلك سياسي، والوطن إلى صفقة انتخابية مؤقتة مرهونة بالولاءات لا بالمبادئ، ما ولد ديمقراطية مشوهة ومؤسسات منهارة وتآكل ثقة المواطن في المؤسسات وترسيخ مفاهيم الزبونية والمحسوبية ، وتشجيع الفساد عبر مؤسسات الدولة نفسها، إضافة الى تغييب الاستحقاق الحقيقي للحقوق العامة فضلا عن توليد طبقة سياسية لا تؤمن بالدولة، بل بالسلطة.
*السلطة للشعب فقط في موسم الانتخابات
عندما يتحول الوطن إلى سوق، وتُقايض الخدمات بالولاءات، وتُباع الرمزية السياسية للسلطة مقابل حفنة أصوات، نكون أمام أزمة لا تهدد الانتخابات فحسب، بل تهدد فكرة الدولة نفسها. فهل نترك الدولة تُباع في سوق السياسة، أم نعيد للدولة هيبتها ولمواطنيها كرامتهم. انتهى / ٢٥