سايكس بيكو الأول والثاني… هل فقد العرب بوصلتهم؟
كتب / الدكتور رجب السقيري...
كمواطن عربي أشعر بالأسى لما تعانيه أمتنا العربية من ضياع وفقدان للبوصلة وخليط من الجهل والسلبية والابتعاد عن الدور العربي الفاعل والاكتفاء بموقع المتفرج المهمش أو موقع المفعول به الراضي والقانع بالتهميش.
قبل مائة عامٍ ونيف كان سايكس بيكو الأول الذي عمل على تقسيم بلادنا ، والآن ابتلينا بسايكس بيكو الثاني الذي يريد أن يقسم المقسَّم ، وهو أخطر من الأول لأنه يأتي بعد قرنٍ كامل ويزيد توفرت لنا خلاله فرصة الوحدة والتضامن وحماية أرضنا وشعوب أمتنا ودحض واستبعاد كل ما أتى به سايكس بيكو الأول من تقسيم وتفتيت وسرقة لمواردنا وتدمير لمقدراتنا ، لكننا نصر على أن نبقى على الهامش ونأبى أن يكون لنا دورٌ حيويٌ فاعل في الإقليم مما شجع الاستعمار الاستيطاني الإحلالي الصهيوني على قضم أرضنا والاستيلاء على مقدراتنا وتدمير جيوشنا وجعل دولنا ، خاصة تلك المحيطة بالكيان المحتل ، منزوعة السلاح وما يتبع ذلك من كونها منزوعة الإرادة ومنزوعة الحرية ومنزوعة الاستقلال .
من يدري فقد يُفرض علينا بعد ذلك سايكس بيكو ثالث ورابع وعاشر حتى تصبح كل مدينةٍ عربية دولةً على نمط دول المدن (city states) التي نشأت في ظروف تاريخيّة معينة في اليونان بلاد الإغريق مثل أثينا واسبارطه وكذلك قرطاج وروما وبرشلونة في العصور القديمة ، وهونغ كونغ ومكاو وموناكو في عصرنا الحالي ، وربما يكون لكل “دولة/مدينة” عربية رئيس وحكومة وبرلمان وعَلَم وكل مقومات ومستلزمات الدولة باستثناء الجيش وكل مقومات الواجهة الديمقراطية الزائفة التي لا تحكم لأن تلك الدول/المدن سوف تُحكم في الحقيقة من واشنطن ولندن ومن وكيلتهما (تل أبيب) في الشرق الأوسط.
هذا ما تشي به خطة الإدارة الدولية لغزة والتي تهدف قبل كل شيء إلى تقسيم ما تبقى من فلسطين وفصل الضفة الغربية عن غزة وتقسيم الضفة بين أهلها الفلسطينيين وبين المستوطنين القادمين من شتاتهم من كل حدبٍ وصوب في هذا العالم ، وحشر الفلسطينيين في مدنٍ يديرها رؤساء بلديات قد يسمونهم حكاماً أو أمراء أو رؤساء جمهوريات .
أما قصة توني بلير ورئاسته للإدارة الدولية ومعه جاريد كوشنر فهي نوعٌ جديد من أنواع الاستعمار يأخذ شكل الانتداب ولكنه ليس انتداباً دولياً من صنع مجلس الوصاية التابع للأمم المتحدة (UN Trusteeship Council) وبقرارٍ من مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة ، بل إنه من صنع غرف العمليات العسكرية والإستخباراتية المهيمنة في المنطقة والحريصة على أن تبقى دولنا العربية مقسمةً وصغيرة لا حول لها ولا قوة .
وهذا أيضاً ما يشي به احتلال جبل الشيخ وأراضٍ سورية أخرى كانت لها إطلالة بيضاء ناصعة البياض كبياض ثلوج جبل الشيخ الأشم ، وهذا ما تشي به حروب ميليشيات ومرتزقة السودان وليبيا واليمن والصومال وربما أقطار عربية أخرى حين تحين الساعة ويأتي دورها ، حروب ونزاعات وصراعات تدار وتوجه من دول الغرب المعادية للعرب وممولة من أموال وموارد ومقدرات شعوب أمتنا العربية .
منذ مائة عام ونيف والعرب ، حكاماً وأنظمة يشتمون سايكس بيكو الأول ويستنكرون فِعلته ولكنهم يعملون ليل نهار ، إلا من رحم ربي ، على الحفاظ على الحدود التي رسمها سايكس بيكو و”المكتسبات” التي حققها على صعيد القطرية الضيقة والتي أدت إلى نزاعات عديدة ومتكررة بين العرب وأبناء جَلَدَتهم ، حتى بدأت تهل علينا الآن بشائر سايكس بيكو الثاني وتوابعه وربما لاحقاً الثالث والرابع والعاشر الذي سيمعن تفتيتاً في أراضينا ومواردنا ومقدراتنا . لماذا نترك إسرائيل وحلفاءها الغربيين يعبثون في مصائرنا ونحن قاعدون ، بل مقعدون بفعل فاعل ، بعيداً عن ساحة الوغى ، ساحة الشرف . أما آن لنا أن ندرك أن قوتنا في وحدتنا ؟ أما آن لنا أن نحمي وجودنا واستقلال إرادتنا وسيادتنا على أرضنا؟
أيها العرب عدوكم يفتخر بأنه تمكن عبر العقود والسنين الماضية من القضاء على وحدتكم وعمل على تقسيمكم وبث النزاعات والفُرقة والفتن بينكم ، فتعالوا إلى كلمةٍ سواء ودافعوا عن أنفسكم ببناء مشروعً
للأمن القومي العربي يواجه ويتصدى للمشاريع الإقليمية التي لا رادع لها إلا القوة بمعناها الواسع الذي يشمل القوة العسكرية والسياسية والدبلوماسية والقوة الأخلاقية الناعمة . والله من وراء القصد.
